mardi 22 mai 2012

مقال-تسجيلي طويل عن حياة "بوب مارلي" القصيرة


أمستردام – محمد موسى
طوبائي، خجول لدرجة الانطواء احيانا، مؤمن بعقيدة افريقية عن الاله الذي حل بجسد زعيم افريقي، غير حازم بعلاقاته النسائية، أنجب في حياته القصيره 11 طفلا من 7 نساء مختلفات، صوفي بعلاقته مع الموسيقى. هذه بعض المحطات التي مر بها الفيلم التسجيلي "مارلي"، والذي يعرض حاليا في والولايات المتحدة الامريكية والعديد من الدول الاوربية، ويقدم سيرة حياة المغني الجامايكي الشهير بوب مارلي، والذي لم ينسحب الى الهامش رغم مرور 31 عاما على رحيله (مات بعمر السادسة والثلاثين) ، فموسيقاه المجددة الثورية او اغنيات الحب التي انشدها بكل لوعة لم تخفت شعبيتها مع تقدم السنين. إغنيات مثل " قف من اجل حقك" كانت تعزف او تصدح من أجهزة تسجيل، هناك في الشرق الاوسط ، في ساحات عامة في تونس ومصر في أشهر انطلاق الثورات هناك، وكما تظهر بعض المشاهد الختامية للفيلم التسجيلي الطويل ( 144 دقيقة)، فشباب وشابات الثورات العرب كانوا يبحثون عبر الاغاني المعروفة لمارلي عن معاني جديدة تناسب زمنهم وتلهمهم في المهمة التي خرجوا للشوارع من أجلها.
كان يمكن لفيلم "مارلي" أن يكون بتوقيع المخرج المعروف مارتن سكورسيزي، والذي ابدى قبل سنوات اهتماما بانجاز فيلم تسجيلي عن النجم. لكن المخرج الامريكي ( انجز في السنوات الاخيرة ثلاث افلام تسجيلية طويلة عن موسقيين معاصرين شهيرين) تخلى عن المشروع لاسباب غير واضحة، لينبري لها مخرج من بلد آخر هو البريطاني الشاب كيفن ماكدونالد، والذي يجمع في سيرته المهنية بين الاعمال التسجيلية والروائية الطويلة، للمشروع والذي مر بمطبات كثيرة، معظمها كانت تتعلق بتعقيد تعامل فريق الانتاج للفيلم مع الورثة العددين للمطرب الراحل، والذين تعصف بينهم الخلافات، والتي عرقلت مشاريع تسجيلية سابقة لم تنجح في تحقيق مطالب جميع الورثة، وخاصة تلك التي تتعلق بالحقوق المادية لاستعمال المواد الموسيقية والفيلمية الارشيفية للمطرب الراحل، وتلك التي تتعلق بالاموال التي يطلبوها للموافقة على الظهور في مشاريع سينمائية تخص بوب مارلي.

بوب مارلي
 ليس من المعروف كيف نجح كيفن ماكدونالد في حل اشكالية الورثة، لكن الفيلم يوحي بميزانية ضخمة، فعلاوة على تنقله بين مكان ولادة بوب مارلي
( جزيرة جامايكا)، الى الامكنة التي مر المطرب الراحل في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، وحتى سويسرا والتي فارق الحياة فيها بعد اصابة بالسرطان الذي لم يمهله طويلا. قدم الفيلم ايضا مشاهد صورية رائعة لجامايكا، صور بعضها من طائرة حلقت فوق الجزيرة الخضراء، وركزت أحيانا على القرية التي ولد فيها "مارلي"، وحي الصفيح الذي انتقل اليه مع والدته العزباء عندما كان طفلا.

المعجبون الاوفياء بالمطرب الراحل، يعرفون بالتاكيد كثير من التفاصيل عن حياة نجمهم والتي مر عليها الفيلم التسجيلي، لكن هناك ايضا اكتشافات ولقاءات مؤثرة ربما تكون جديدة حتى لهؤلاء المعجبين، فالفيلم يبحث في أصل والد بوب مارلي، الانكليزي الابيض والذي كان قد تعدى الستين عاما عندما قابل والدة مارلي التي كانت بعمر 16 عاما. الاثنان دخلا بعلاقة عابرة كان ثمرتها "بوب"، الذي عاني كثيرا من "الدم الابيض" في عروقة، فالحياة لم تكن سهلة ابدا على صبي بجلد غير اسود نقي في "جامايكا" المضطربة دائما، فنال الطفل والفتى ذو البشرة الفاتحة سخرية وعنف ابناء الحي السود، كذلك كان الاب او غيابه مصدرا للشقاء والالهام للمطرب، بل إن احد رفقاء بوب مارلي، زعم إن الاصل الابيض هذا هو الذي جعل جسد مارلي هشا عاجزا عن مقاومة سرطان الجلد (والذي لا يصيب الافارقة بسهولة) ،وهو المرض الذي نال منه في النهاية.
ياخذ الفيلم مسارا تقليديا في تقديمه لحياة مارلي من جهة ترتيب الاحداث والمقابلات، فهو يبدأ من الولادة وينتهي بالموت. لكن اول مشاهد الفيلم لن تكون من جامايكا ( مكان ولاد ة مارلي ) بل من الدولة الافريقية غانا، حيث انطلقت منها ولسنوات طويلة سفن العبيد الافارقة والذين بيعوا الى دول العالم الجديد، وانتهى بعضا منهم في مستعمرة المملكة البريطانية جامايكا. يظهر المشهد الافتتاحي باب البناية المطلة على البحر الشاسع في الميناء الغاني. إسترجاع هذه الهجرة القسرية والمكان الاول، ستتحول في سنوات الستينات من القرن الماضي الى تيار فني وفكري وسيؤثر على الموسيقى التي ألفها امريكيين من اصول افريقية، كما ستصل تاثيرتها الى جزيرة جامايكا، حيث يعيش بوب. والتي سيجد فيها مارلي الملجأ للهروب من فقر سنوات طفولته وصباه، كذلك ستجذب عقيدة "الراستافارية" الفتى الشاب، لينغمس فيها وتأثر عميقا على موسيقاه وعلى مظهره، فطريقة تصفيفه لشعره هي احدى تجليات ذلك المذهب الروحي، والذي يعتقد بحلول روح المسيح بجسد 
مارلي الابن
امبراطور اثيوبيا السابق هيلا سلاسي.
طريق بوب مارلي للنجاح لن يكون سهلا، هو يشبه كثيرا ذلك الذي قطعه معظم نجوم الموسيقى في الغرب، فهو بدأ مع فرقة موسيقية، واحتاج سنوات طويلة حتى نجح باقناع زملائه بالفرقة بموهبته، ليمنحوه هؤلاء وفي السنوات الخمس الاخيرة فقط من حياة الحرية الابداعية لتطوير موهبته، وتجريب انماط موسيقية عديدة ليضيف بدوره الى موسيقى "الريغي" الجامايكية. 
وتنال حياة بوب مارلي الخاصة نصيبها من الاهتمام في الفيلم، فتوصف زوجة بوب مارلي الاولى الشاب اليافع الذي قابلته لاول مرة، والذي، وعلى خلاف ما اشيع عن مغامراته النسائية العديدة، كان خجولا، وبانه لفرط انشغاله بموسيقاه لم يكن يفكر كثيرا بافعاله الشخصية ونتائجها، فاقتربت منه نساء كثيرات جذبتهن شهرة المطرب، منهن احدى ملكات جمال جامايكا، والتي تحدثت في الفيلم التسجيلي. على الجانب الآخر تحدث اثنان من ابناء المطرب الراحل بحسرة تقترب من اللوم عن والدهم الذين لم يعروفه حقا، والذي شغلته الموسيقى عن الجميع، وبان ذكراهم عن ذلك الوالد مشوشة كثيرا، ولا تملك الدفء الذي يغلف العلاقات العائلية.
بالرغم إن  جزء كبير من الفيلم اتجه للتعريف بالمطرب الراحل ومنجزه الموسيقي وحياته الخاصة، من خلال مقابلات عديدة مع الذين عرفوه في مراحل مختلفة من حياته، الا انه، اي الفيلم، سيمنح الموسيقى نفسها مساحة كبيرة هي الاخرى، فيقدم مشاهد طويلة لعديد من حفلات المطرب الراحل الشهيرة، والتي تحولت في السنوات الاخيرة من حياته الى طقس روحي له قبل ان يكون لجمهوره الذي مليء المدارج والقاعات. يتلاشى مارلي في الموسيقى في تلك الحفلات، يغلق عينيه ويقفز قفزات صغيرة الى الاعلى في الهواء  ، كمن ينتظر ان تاخذه احدى تلك القفزات الى عالم آخر وحياة بعيدة، فيما تبدو خصلات شعره السميكة كاجنحة لا تتوقف عن الحركة.